للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المدخل

[فضل اللغة العربية، ومسايرتها للعلوم والمدنية]

في الكائنات ما يدرَك بإحدى الحواس، فيولد في الذهن صورة شيء آخر غير محسوس بالفعل؛ كالدخان المشاهد على بُعد، يولد في أذهاننا صورة النار، والنار غير ظاهرة لأبصارنا، وكالاحمرار يبدو على الوجه فجأة، فيحضر في أذهاننا معنى الخجل، ولم يكن قبل ظهور هذا الاحمرار حاضراً، وكلفظ الأسد يحضر في أذهاننا صورة الحيوان المفترس، وهذا الحيوان غير حاضر عندما يطرق اللفظُ أسماعنا.

ولا شيء يدل آخر بطبيعته حتى يكون مجردُ وجوده كافياً في الدلالة، وإنما توجد الدلالة بعد العلم بما بين الشيئين من رابطة؛ ولولا ملاحظة هذه الرابطة، لما اقترن شيئان في الذهن على أن هذا دالّ، وذاك مدلولٌ له. فالأوضاع البدنية؛ كتقطيب الوجه، تدل على بعض أحوال نفسية؛ كالغضب، وهذه الدلالة لا تتحقق إلا عند من عرف - بطريق التجربة مثلاً - أن تلك الأوضاع البدنية والأحوال النفسية يرتبطان في الوجود؛ وهذا هو الذي يمكنه أن يلاحظ هذا الارتباط، فتقترن تلك الأوضاع البدنية والأحوال النفسية في ذهنه، أولاهما بصفةِ دالة، وأخراهما بصفةِ مدلول عليها.

وإذا قالوا: إن الدلالة احمرار الوجه على الخجل طبيعية، فعلى معنى أن احمرار الوجه يرتبط بالخجل بقانون طبعي، أما نفس الدلالة، فإنها