للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

اللبيب" بمحضر طائفة من أذكياء طلاب العلم، كنت أرجع في تقرير المسائل المتصلة بالسماع والقياس الى تلك الأصول المقرَّرة، أو المستنبطة التي اقترح عليَّ يومئذ أولو الجد منهم جمع هذه الأصول المفرَّقة؛ ليكونوا على بينة منها ساعة المطالعة، فشكرت همتهم، واستخدمت القلم في تحرير مطلبهم، فألفت مقالات تشرح حقيقة القياس، وتفصل شروطه، وتدل على مواقعه وأحكامه.

ثم عدت منذ عهد قريب إلى تلك المقالات، فرأيت جُمَلا تحتاج إلى تهذيب، وفصولاً تقول: هل من مزيد؟ فجردت القلم لتهذييها، وأضفت إلى تلك الفصول بعض ما يتسع به نطاقها، وتكبر به فائدتها، بل عقدت فصولاً أخرى لمسائل من أمهات علوم العربية يتناولها موضوع القياس والسماع. ولا أدعي أني أخذت بمجامع هذا الموضوع الأسمى، وبلغت في بحثه الأمد الأقصى؛ فإنه واسعُ المجال، مترامي الأطراف، يمتُّ إلى كلِّ باب من أبواب العربية بصلة، ويكاد ذكره يجري عند تحقيق كل مسألة؛ إنما هي أقوال لبعض أئمة العربية انتقيتها، وآراء خطرت على الفكر فتقبلتها، ولثقتي بن باعَك - أيها القارئ - في علوم العربية غير قصير، ونصيبَك من الإلمام بأبوابها ودرس مسائلها غيرُ يسير؛ لم أذهب في بسط القول وضرب الأمثلة مذهب من يُسرف في مقام الاقتصاد، ويَشغل سمعك بما يُشبه الحديث المعاد.

والله المستعان على بلوغ المرام، والمستعانُ به من كبوة الفكر وفضول الكلام.

محمّد الخضر حسين