فالآية ظاهرة في أن هؤلاء القسيسين والرهبان لم يزيدوا على أن سمعوا قرآناً يتلى، فعرفوا فيه وجه الحق، فقالوا:{رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ}[المائدة: ٨٣].
وفي قوله تعالى:{وَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ}[العنكبوت: ٥١] ما هو صريح في أن القرآن آية كافية للدلالة على صدق الدعوة وصحة الرسالة.
فالآية منبهة لما نقول من أن تلاوة القرآن على الضالين تكفي في هدايتهم، وإقامة الحجة عليهم متى كانوا يتدبرون، ومجادلتهم- بعد إسماعهم القرآن- إنما هي لازاحة الشبهة التي تخالظ أوهامهم، أو تكشف عما يلفقونه من زور وبهتان.
والحقيقة أن دلالة القرآن على [صدق] محمد - صلى الله عليه وسلم - لا تنحصر في ناحية واحدة، بل هي ذات وجوه مختلفة، يجتليها كل من يتلوه بيقظة، أو يلقي إليه أذناً واعية.
* بلاغته:
ومن هذه الوجوه: بلوغه في فصاحة الألفاظ، وبلاغة المعاني، وجودة النظم منزلة تقف دونها فطاحل البلغاء.
ذلك أن البلاغة لعهد البعثة المحمدية قد وصلت إلى درجتها العليا، كان العرب يتنافسون في فنونها، ويطلقون الأعنة في مضمارها، حتى أتى محمد - صلوات الله عليه - بما عجز عن أن يأتي بمثله بلغاء العرب قاطبة.