الكلام في دلائل نبوة المصطفى - صلى الله عليه وسلم - خوض في بحر لا يصل فيه الكاتب إلى شاطئ، فليس في استطاعتي استيعابها، ولا الإلمام بمعظمها. وغاية ما يسعني في هذا المقام: أن أسوق منها طائفة إذا اتصلت بعقول سليمة، لم ياخذها ريب في أنه - عليه الصلاة والسلام - رسول رب العالمين.
لدلائل نبوته - عليه الصلاة والسلام - أصول، هي: القرآن الكريم، ثم بشارات الأنبياء والرسل به من قبل ظهوره، ثم سيرته التي لا تقاس بكمال بسيرة، ثم ما جرى في حضرته من المعجزات المحسوسة.
* القرآن الكريم:
نزل القرآن الكريم على النبي - صلى الله عليه وسلم - يحمل حقائق صادقة، ومعجزة باهرة.
أما الحقائق، فهي ما أرشد إليه من العقائد السليمة، والآداب النبيلة، والأحكام العادلة، والموعظة البالغة.
وأما المعجزة، فهي ارتفاعه في حكمة المعاني، وسمو المقاصد، وفصاحة الكلم، وجودة النظم، وروعة الأسلوب، إلى مرتبة يقف دونها فطاحل البلغاء بمراحل.
ومن المعروف أن معجزات الأنبياء تجيء مناسبة لحال أقوامهم، ففي زمن موسى - عليه السلام - كانت الغلبة للسحر، فكانت معجزته قلب العصا ثعباناً، وذلك ما يعجز عنه كل سحّار عليم، وفي زمن عيسى - عليه السلام - كان التنافس في الطب، فجاء بما لا يصل إليه الأطباء، وهو: إحياء الموتى. وفي زمن خاتم النبيين - صلى الله عليه وسلم - كان التفاخر بالبلاغة وحسن البيان، فجاء بما أعجز كل خطيب مصقع، وشاعر مفلق، وهو القرآن الكريم.