شأن الباحث بجد ألا يكتفي في إنكار رواية أو روايات بدعوى أنها وضعت وضعاً، وحملت حملاً، ثم يسمّي هذه الدعوى تفسيراً لها من الوجهة العلمية. والمؤلف يفعل هذا؛ لأن العلم في نظر هذه الطائفة القليلة التي تدق له الهواء بالتصدية إنما هو أن يقول فيتهكم، والتهكم في نظر هؤلاء السذج خير من العلم؛ وأشد وقعًا على أذواقهم من سبعين برهاناً.
إنكار المؤلف لأن يبقى أثر لدين إبراهيم - عليه السلام - في بلاد العرب، مبني على إنكار وجود إبراهيم، أو هجرته وهجرة إسماعيل إلى مكة، وقد عرفت أن هذا الإنكار لم يقم على بحث واستدلال، وإنما هو وليد نزعة لست أعلم بنشأتها وصابغ قلب المؤلف بعصفرها من هؤلاء القراء.
أما الذين يريدون أن يكونوا في البحث على بينة، فإنهم يضعون هذه الأشعار وما يتصل بها من الأخبار موضع النقد، فما وجدوا في رواته، أو في ألفاظه، أو في معانيه ما يدل على وضعه، أو يجر إلى ريبة، اطّرحوه، أو ارتابوا في أمره، وما وجدوه سليماً من كل جانب، قبلوه، وتناقلوه.
* المعاني الدينية في الشعر الجاهلي:
قال المؤلف في (ص ٨٠): "وعلى هذا النحو تستطيع أن تحمل كل ما تجد من هذه الأخبار والأشعار والأحاديث التي تضاف إلى الجاهليين، والتي يظهر بينها وبين ما في القرآن من الحديث شبه قوي أو ضعيف".
من شاء أن ينظر إلى قاعدة تمتد إلى غير نهاية، ولا تتصل بما يمسكها أن تزول إلا إرادة هذا المؤلف، فلينظر إلى هذه الفقرة التي تمثل قلماً يشتهي أن يكتب، فينتكس، ويرمي بالحديث في غير قياس.