واللغويين، وذهبوا في البحث مذاهب شتى: هذا يقول: مصدرها التوقيف من الله، وذلك يقول: مبدؤها الطبيعة، وآخر يقول: منشؤها الاصطلاح والتواطؤ.
والقائلون: إن مبدأ اللغات التوقيف لا ينكرون أن تعدد اللغات ونموها من بعدُ كان بطريق الاصطلاح، وعلى حسب الحاجة، ورجح ابن حزم في كتاب "الإحكام" أن أصلها التوقيف من الله تعالى، ثم قال: ولا ننكر اصطلاح الناس على إحداث لغات شتى بعد أن كانت لغة واحدة وقفوا عليها، بها علموا ماهية الأشياء وكيفياتها وحدودَها، ثم قال: ولا ندري أي لغة هي التي وقف آدم - عليه السلام - عليها أولاً.
وليس في أدلة هذه المذاهب ما يجعل النفس في قرارة من علم لا يخالطه ريب، وقُصارى ما وصل إليه الباحثون اليوم: أن الناظر في اللغة متى توغل في أطوارها إلى أقصى ما يسعه التاريخ، يصل إلى شذوذ في تركيب الكلمات، أو تركيب الكلام، بحيث يعتقد أن هذه اللغة لم تبلغ حالتها الحاضرة إلا بعد أن تقلبت في أطوار مرت عليها أحقاباً، فمن الصعب على الفيلسوف أو اللغوي أو المؤرخ أن يحكم في أصل نشأة هذه اللغات حكماً فاصلًا، وإنما يستفيد من بحثه في اللغات التي بين يديه أنها تكون في أول أطوارها قليلة الكلمات، غير متنوعة الأساليب، ثم تغزر مادتها، وتتعدد أساليبها، على حسب ما يكون للناطقين بها من ثقافة أو حضارة.
* تأثير الفكر في اللغة:
للفكر أثر في اللغة عظيم، ولولا الفكر، لفقدت اللغة خواصها، ولم يكن لوجودها أية فائدة؛ فإن الفكر هو الذي يربط الألفاظ بمعانيها، فيعمد