لا يفتأ المؤلف يشكو إليكم أشخاصاً يسميهم: أنصار القديم، ويدعي عليهم: أنهم يجزعون جزعًا شديداً لهذه الظاهرة الأدبية، التي يحاول أن يدرسها في هذا الكتاب. وهذا ما دعاه إلى أن يقصّ عليكم شيئاً من تاريخ اليونان والرومان؛ حتى لا يخالط ظنكم أنه رمى الأمة العربية بوصمة لم ترم بها أمة من قبلها.
ولسنا على ثقة من أن في أهل الأدب من يجزع جزعاً شديداً أو هيناً لظاهرة أدبية.
فإن جزعوا، فلاتخاذه البحث في هذه الظاهرة جسراً يعبر منه إلى طعن في الدين ما له به من شبهة أو سلطان، وإن جزعوا، فإنما يجزعون إشفاقًا على تلك الفطر السليمة يحدثها على غير نظام، ويطبعها على عادة البحث الذي يهوي برأس الحقيقة إلى عقبها، ويرفع عقبها إلى مكان الرأس، وإن شاقك أن تشاهد أمثال هذه الصورة النادرة، فادرس كتاب "في الشعر الجاهلي" وأنت خالي الذهن من كل ما قيل فيه.
* منهج ديكارت، ومنهج ابن خلدون:
عاد المؤلف إلى الحديث عن منهج (ديكارت):
وقال في (ص ٤٥): "ولا بد أن نصطنعه في نقد آدابنا وتاريخنا كما اصطنعه أهل الغرب في نقد آدابهم وتاريخهم، ذلك أن عقليتنا نفسها قد أخذت منذ عشرات من السنين تتغير وتصبح غربية، أو قل: أقرب إلى الغربية منها إلى الشرقية، وهي كلما مضى عليها الزمن، جدت في النفس، وأسرعت في الاتصال بأهل الغرب".
ألم يكن من أدب الأستاذ أن يربي نفوس التلاميذ على عزة ونخوة،