ينقله بعض المفسرين عن عكرمة، وأوردنا في هذه المذاكرة إنكار أبي بكر ابن العربي لهذا التفسير، وتحقيقه: أن المراد من الليلة المباركة: ليلة القدر، وهي التي يفرق فيها كل أمر حكيم.
واتصل الكلام بالبحث في البدعة، وسقنا تحرير أبي إسحاق الشاطبي في ضابطها، وهو أن يكون السبب الذي استند إليه العامل قائماً زمن شرع الأحكام، ويسكت عنه الشرع، ولا يقرر له حكماً.
ويصح أن يضرب المثل لهذا بصلاة الرغائب، فقد ألف الشيخ عز الدين بن عبد السلام رسالة وضح فيها أنها بدعة. وهذا مما لا تدخله الريبة؛ فإنه إذا ثبت أن الحديث الذي يروي في شأنها موضوع، كما حقق ذلك أبو الفرج بن الجوزي، انطبق عليها أنها عمل لم يحدث له موجب، ولا ورد فيه أثر عن صاحب الشريعة، وهذا بخلاف ما يكون السبب الموجب له طارئاً بعد زمن الوحي؛ كتدوين علم العربية، وجمع القرآن في المصاحف.
* درس في التفسير:
سايرني بعد أن انتثر عقد المجلس بعض التلامذة، واقترحوا عليّ إقراء درس من التفسير، وحكوا أن لغيرهم من أهل العلم حرصاً أكيداً على هذا الاقتراح، فبسطت إليهم بمعذرة أني قد ربطت العزم على الرحيل صبيحة يوم الأحد، فقالوا: يمكن أن نعيِّن لميقات الدرس عشية غد، ونكتفي بالمقدار الذي يتيسر جمعه وبيانه، والغرض إنما هو المحافظة على سنّة الكثير من أهل العلم حيث يمرون بالأزهر، فما وسعني إلا أن ساعدت مرغويهم، فأحضروا "تفسير القاضي البيضاوي"، ووقع الاختيار على أن يكون موضوع الدرس: قوله تعالى: {وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً}[التوبة: ١٢٢] إلى آخر الآية.