بينكم، ثم لا تجدوني بخيلاً، ولا كذاباً، ولا جباناً".
فهذا الأثر يدلنا على أنه - صلوات الله عليه - لم يكن ليقيم أعواناً يمنعون أمثال هؤلاء الأعراب من الوصول إليه، أو يفرقون جمعهم إذا أحاطوا به، وألحفوا في سؤاله، وتدلنا كلمة رسول الله على أنه لا يغضب غضب من تأخذه العزة بالإثم حين يتهافت عليه جماعة من الأعراب حتى يضطروه إلى شجرة تخطف رداءه.
ونقرأ في الصحيح: أن أنس بن مالك يقول: "كنت أمشي مع النبي - صلى الله عليه وسلم -، وعليه رداء نجراني غليظ الحاشية، فأدركه أعرابي، فجبذه جبذه شديدة حتى نظرت إلى صفحة عاتق النبي - صلى الله عليه وسلم - قد أثرت فيها حاشية الرداء، ثم قال: يا محمد! مر لي من مال الله الذي عندك. فالتفت إليه فضحك، ثم أمر له بعطاء".
يبتسم لقوة أعرابي بسط يده إليه بجفاء، أما الطغاة أو البلغاء الذين يعثون في الأرض فساداً، فإنه يأخذ فيهم بسنة العزم، ويدع المجاملة والتبسم لهم في ناحية.
كان الرئيس العربي يسرف في مصانعة ذوي الزعامة والنفوذ في قومه، ولا يؤاخذهم بما يجرمون؛ مخافة أن يشقوا عصا طاعته، ويزلزلوا أركان رياسته، ثم لا يبالي أن يذيق الضعيف الذي لا يؤبه له عذابا مهيناً. ولكن محمداً - صلوات الله عليه - يضع الأقوياء والضعفاء عند تقاضي الحقوق مكاناً سواء.
* رفقه بالمرأة:
كان الرجال من قريش يعاشرون أزواجهم في شيء من الغلظة، حتى