إنهم لا يرون للزوجة حقاً في أن تراجع الرجل إذا خاطبها في غيظ، فجاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقلب هذه الغلظة إلى رفق، ويفسح للمرأة أن تعمل على إرادتها، وتتمتع بحريتها في دائرة الأدب والصيانة.
نقرأ في الصحيح: أن عمر بن الخطاب يقول: "كنا - معشر قريش - نغلب نساعنا، فلما قدمنا الأنصار، إذا هم قوم تغلبهم نساؤهم، فطفق نساؤنا يأخذن بأدب نساء الأنصار، فصخبتُ على امرأتي، فراجعتني، فانكرتُ أن تراجعني، قالت: ولم تنكر أن أراجعك؟ فوالله! إن أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - ليراجعنه، وإن إحداهن لتهجره اليوم إلى الليل".
ضرب رسول الله عن عادة قريش جانباً، وكان يتلقى مراجعة الزوجة له بأناة، وهجرَها له اليوم كله باحتمال، يفعل ذلك رفقاً بها، وإرشاداً إلى الأوفق بسنة الاجتماع في معاشرتها، ولتعليم الناس فضيلة العطف على المرأة يقول:"من كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فلا يؤذ جاره، واستوصوا بالنساء خيراً؛ فإنهن خلقن من ضلع أعوج، وإن أعوج شيء في الضلع أعلاه، فإن ذهبت تقيمه، كسرته، وإن تركته، لم يزل أعوج، فاستوصوا بالنساء خيراً".
وإذا تقصينا أثر ما يقرره الإسلام للمرأة من حقوق، وما ألقاه عليها من احترام، ازددنا علماً بأنه الدين الذي يسير بحال الاجتماع البشري إلى أقصى ما يرام من السعادة.
فالنساء شطر البشر، وتأثيرهن على الشطر الآخر من حيث التربية الأولى لا يتنازع فيه اثنان، فالإحسان إليهن، ومسايرتهن فيما لا يخرجن به عن حدود الصيانة والعفاف مما يرفع هممهن، ويرقي آدابهن، فإذا نشأ الولد في حجورهن، خرج للناس رفيع الهمة، راقي الآداب.