قال المؤلف في (ص ١١٦): "ونحن نعلم حق العلم أن الخصومة حين تشتد بين الفرق والأحزاب، فأيسر وسائلها الكذب. كانت الشعوبية تنتحل من الشعر ما فيه عيب للعرب، وغضّ منهم".
لا نفتح باب البحث مع المؤلف في قوله: إن الخصومة إذا اشتدت بين الأحزاب فأيسر وسائلها الكذب، فقد كان قلم المؤلف مستعملاً في هذا السبيل، وليس الذي يحدثك عن شيء أجهدَ فيه خياله كمن ينظر إليه بمكان بعيد، "وخير العلم ما حمل عن أهله". وإنما نشك في أن الشعوبية انتحلت من الشعر ما فيه عيب للعرب، وغضّ منهم، ويزداد شكّنا حينما نقرأ هذا الفصل المعد لهذا الغرض، ولا نجد لانتحال الشعوبية مثلاً قائماً، ولو كان تحت يد المؤلف أمثال قريبة، لما تجاسر على أبيات أبي الصلت، أو أمية بن أبي الصلت، وحاول إلحاقها بإسماعيل بن يسار.
* انفراد الجاحظ بالرواية:
قال المؤلف في (ص ١١٦): "إن الخصومة بين العرب والعجم دعت العرب وأنصارهم إلى أن يزعموا أن الأدب العربي القديم لا يخلو، أو لا يكاد يخلو من شيء تشتمل عليه العلوم المحدثة، فإذا عرضوا لشيء مما في هذه العلوم الأجنبية، فلا بد من أن يثبتوا أن العرب قد عرفوه، أو ألموا به، أو كادوا يعرفونه ويلمون به. ومن هنا لا تكاد تجد شيئاً من هذه الأنواع الحيوانية التي عرض لها الجاحظ في كتاب "الحيوان" إلا وقد قالت العرب فيه شيئاً قليلاً أو كثيراً، طويلاً أو قصيراً، واضحاً أو غامضاً، يجب أن يكون للعرب قول في كل شيء، وسابقة في كل شيء".