نعْرض هذه الجمل على أنظار القراء؛ ليزدادوا خبرة بأن قلم المؤلف يقع في مبالغات يغبطه عليها الشعراء.
للعرب في الجاهلية نصيب من العلم، ومبلغ من الحكمة، ولا نرى في هذا الشعر الذي يعزى إليهم شيئاً فوق ما يسعه علمهم، أو تبلغه حكمتهم، ولا تحسبوا المؤلف وقف على أشعار تضاف إلى الجاهلية، وهي تشتمل على معان من هذه العلوم المحدثة، ولعلكم تنثلون كنانته، فلا تجدون فيها سوى أن الجاحظ يقول في كتاب "الحيوان"(١):
"وكل معنى سمعناه في باب معرفة الحيوان من الفلاسفة، وقرأناه في كتب الأطباء والمتكلمين، إلا ونحن قد وجدنا قريباً منه في أشعار العرب والأعراب، ومن أهل لغتنا وملتنا, ولولا أن يطول الكتاب، لذكرت لك الجميع".
فهذا هو الذي يحوم عليه المؤلف -فيما أحسب- وقد رأيتم أن كلام الجاحظ يختص بباب معرفة الحيوان، ويتناول الأمة العربية في جاهليتها وإسلامها، وقلنا فيما سلف: إن أهل العلم لا يعدون الجاحظ فيمن يوثق بما انفردوا بروايته.
ذهب المؤلف في أوائل كتابه إلى أن هذا الشعر الذي يضاف إلى الجاهليين يمثلهم في جهل وغباوة، وغلظة وخشونة، ويقول: إنهم كانوا أصحاب علم وذكاء، وأصحاب عواطف رقيقة، وعيش فيه لين ونعمة. وقال: إنهم كانوا أمة متحضرة راقية، لا أمة جاهلة همجية. وإذا كانوا أصحاب