الغاية من "الدعوة" صلاح العالم، وانتظام شؤونه على منهج السعادة.
فإذا وجَّه الداعي قصده إلى هذا الغرض، وأقامه نصب عينه، استقام على الطريقة، وقضى حياته في سيرة راضية، وإذا انحرف عن هذا القصد - ولو قيد أنملة -، رأيته يضطرب في حال دعوته كالريشة تخفق بها الرياح أينما تصرَّفت. وقد حكى التنزيل في مواعظه أن شعيبًا - عليه السلام - قد برَّأ نفسه، ودفعها عن أن تؤم غرضاً من الدعوة سوى الإصلاح حين قال:{إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ}[هود: ٨٨]. ويرشدنا قوله تعالى:{قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْعَالَمِينَ}[الأنعام: ٩٠]، وقوله تعالى:{اتَّبِعُوا مَنْ لَا يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا وَهُمْ مُهْتَدُونَ}[يس: ٢١] إلى أن تشوف الداعي إلى ما في أيدي القوم، وتطلعه إلى أن ينال من وراء إرشاده شيئاً من متاع هذه الحياة، قادح في صدقه، وداخل بالريبة في إخلاصه.
ولا يدخل في زمرة المصلحين من يظهر بدعوى الغضب للعدالة، ويعلن البغضاء لمن يروم انتهاك حرمتها، ثم يبصر مرة أخرى قوماً يعمدون إلى حقوق قائمة، فيفتلون أعناقها، فإذا هو يتبسم لصنيعهم تبسم المرتاح، أو يشاركهم في دفنها ولو بحثية من تراب. ماذا حمله على حب العمل بالحق والانتصار له أولاً، ثم ماذا بعثه على خِذلانه والارتياح لإزهاق روحه ثانياً؟