للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ومن أثر هذا الخلق الكريم: أنه كان لا يواجه أحداً في وجهه بشيء يكره (١)، وإذا بلغه عن أحد شيء يستحق الزجر، لم يذكر اسمه، وإنما يورد الزجر في خطاب عام؛ كما قال: "ما بال أقوام يشترطون شروطاً ليست في كتاب الله؟! ".

وكان - صلى الله عليه وسلم - مع تواضعه ورفقه ورحمته وحلمه وحيائه-، يملأ القلوب مهابة وإكباراً، فقد ورد في وصف مجلسه: أنه كان إذا تكلم، أطرق جلساؤه كانما على رؤوسهم الطير، وإذا سكت، تكلموا، ولا يتنازعون عنده الحديث، ومن تكلم عنده، أنصتوا له حتى يفرغ حديثه.

* اجتهاده - عليه الصلاة والسلام - في عبادة ربه:

قد رأيت من الفصل السابق كيف كانت صلته - عليه الصلاة والسلام - بالخليقة، وعرفت أنها كانت عامرة بالرفق والرحمة والإحسان. ونريد أن نحدثك في هذا الفصل عن صلته بربه، وصرفه الجهد في حسن طاعته:

تحدثنا الروايات الصحيحة: أنه كان - صلى الله عليه وسلم - مسلِّماً وجهه إلى الله تعالى، مملوء القلب بخشيته، وموصول الهمة بعبادته، فكان - عليه الصلاة والسلام - يقوم بالدعوة، ويضيف إلى هذا العمل العظيم: التقرب إلى الله تعالى بالذكر والصلاة والصيام وتلاوة القرآن.

وكان يتهجد بالليل على وفق قوله تعالى: {وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا} [الإسراء: ٧٩].

روى الإمام البخاري في "جامعه الصحيح" عن المغيرة بن شعبة: أنه


(١) أبو داود، والنسائي.