ونحن نرى أن صداقة الفضيلة متى بلغت منتهاها، لا تأخذ الغَيبة الطويلة شيئاً أكثر من مظاهرها.
وربما انعقدت الصداقة بين شخصين لم يتجاورا، ولم يلتقيا، وإنما عرف كل منهما فضل الآخر على بعد، ولم يكن بينهما اتصال إلا من طريق المراسلة:
وإني امرؤ أحببتكم لمكارمٍ ... سمعت بها والأذنُ كالعين تَعشقُ
وكثيراً ما تأتي هذه الصداقة بثمار طيبة غزيرة، وإن كان مسلكها في الروح غير مسلك الصداقة الناشئة عن لقاء ومشاهدة.
* الصداقة صلة بين الشعوب:
لا غنى للشعوب أن ترتبط بصلات تجعلها كأمة واحدة، تسير إلى غاية واحدة، وهذه الرابطة تتحقق بالصداقات التي تستوثق بين علمائها وزعمائها الناصحين.
فالصداقة التي تنتظم بين طائفة من علماء الصين، وطائفة من علماء المغرب الأقصى - مثلاً - تجعل القطرين في اتحاد أدبي، وللاتحاد الأدبي غايات سامية لا يستهان بها.
واذا دلنا التاريخ أو المشاهدة على صداقة كانت بين علماء متباعدي الأقطار، ولم تعد على تلك الأقطار بفائدة، فإن هذا الزمن يدعونا إلى أن نعمل على تقوية روابط الصداقة بين علماء الشرق والغرب، ونوجه جانباً من هذه الصداقات إلى خدمة المصالح العامة، والتعاون على أسباب السعادة المشتركة في الحياة.