للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قال الشيخ ابن سينا في "كتاب الشفا": إن النفوس تنشط وتلتذ بالمحاكاة، فيكون ذلك سبباً لأن يقع عندها للأمر فضل موقع، والدليل على فرحهم بالمحاكاة؛ أنهم يسرون بتامل الصور المنقوشة للحيوانات الكريهة المنظر المتقزر منها، ولو شاهدوها أنفسها، لنفرت أنفسهم عنها، فيكون الفرح ليس بنفس تلك الصورة، ولا المنقوش، بل كونها محاكاة لغيرها إذا كانت قد أتقنت، ولهذا السبب ما صار التعليم لذيذاً إلى الفلاسفة فقط، بل إلى الجمهور، لما في التعليم من المحاكاة؛ لأن التعليم تصوير ما للأمر في رقعة النفس. وإذا كان التعبير بالألفاظ من قبيل التصوير ونقش المثال، فالصورة التي يمثلها الصانع بمقدار جمعها لخواص الممثل، وعلى حسب جودة أصباغها، وتناسب أوضاعها، تلذها العيون، ويرتاح الطبع عند النظر إليها، كذلك العبارة على قدر ما تسع من المعاني، وتحتوي عليه من الألفاظ السائغة، وحسن الائتلاف في التركيب، تطرب لها الأسماع، وتستعذبها الأذواق، ومن هذه الجهة يدخل العادلون إلى الحكم والتفضيل بين العبارات واللغات، فما كان أوسع دائرة في تصوير الغرض، وأرشق في مبانيه، وأحكم في نسيجه، كان أحق بالشرف، وأحرز للسباق.

* تأثير اللغة في الهيئة الاجتماعية:

مما لا سبيل للشبهة فيه، أن الشخص الذي يحل بين أقوام يجهل لغتهم، يبقى منفرداً عن جامعتهم، غيرَ معدود في زمرتهم، وتتوعر أمامه الطرق الموصلة إلى انخراطه في سلكهم، وتبادل المنافع معهم، فإذا تعلم من لسانهم ما يطلع به على آدابهم وعوائدهم ومعارفهم، انعقدت بينه وبينهم صلة التعارف والمعاشرة، وأصبح عضواً متصلاً بهم، عاملاً في هيئة مجتمعهم. هذا ما ينشأ عن مجرد