هذا، حتى أحظى بسعادة لقائه؛ فإنه بعث لي رسالة بعد، وأنا حينئذ بدمشق، خاطبني فيها على أن أوجه له بنسخة من رسالتنا:"الدعوة إلى الإصلاح"، فما لبثت أن قدمتها لفضيلته بواسطة البريد، فطالعها بعين الكرم، وتفضل -حفظه الله- بالكتاب الذي قصرت اليراعة أن تبسط باعها بما يستوجبه من الشكر، ونصه بعد الديباجة:
"فقد تلقيت خطابك السامي، ورسالتك الداعية إلى الإصلاح والخير والفلاح، وبمطالعتها علمت أن الإسلام لم يعدم أنصاراً، ولم يزل للإرشاد دعامة هي الخير الدعامات، قلتَ فبرهنت، ودعوت فسددت، وأحييت سنّة الخلفاء والمصلحين، فربطت بهذا آخر العالم الإسلامي بأوله، ولا يسعني إلا تهنئة الحاضرة التونسية بك، بل الأقطار الإفريقية، بل الممالك الشرقية، وإني وايم الله! لقد امتلأ قلبي سروراً، وأفعم فرحاً من تعاليم جامع الزيتونة؛ حيث انتخبت مفكراً وعالماً دينياً بصيراً مثلك، ولقد ضاقت عليَّ سبل الشكران، أأشكرك على ما قدمته للإسلام والمسلمين من براهينك الساطعة، وحججك الدامغة؟ أم أشكرك على ما أهديته للحركة الفكرية العصرية مما تلقته البصائر بالإجلال والإعظام؟ أو على عنايتك الكبرى بتبديد الخرافات التي علقت بأفئدة سواد كثير من المسلمين؟ أو على شجاعتك المتناهية في إزالة سحب الجهالات التي أخرتنا إلى الوراء أميالاً ليست بقليلة؟ أو أشكرك على إهدائك لي ما أعده ذكراً حسناً، وأثراً خالداً؟ ".
* الطريق إلى القاهرة:
باكرنا يوم الخميس إلى القطار المصري، فانطلق يهرع ما بين أشجار وأنهار، ومزارع وقرى، منها: دمنهور، وطنطا، وبنها العسل. وأسماء الأماكن