للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مدارك الشريعة الإِسلامية - وسياستها - (١)

* حكمة التشريع:

تتأثر النفس بما يخالطها من حالتي اللذة والألم، فيلتذ الإنسان بسلامة حواسه، واستقامة فكره، وحسن سيرته، ووفر ماله واتساع سلطته، وسعادة أصفيائه. ويتألم لفقد واحد من هذه المطالب.

وقد طبعت النفوس على الميل والانعطاف لما فيه لذة، والكراهة والنفور لما فيه ألم، فكل شخص يسعى بحسب طبيعته لما فيه لذته، ويهرب مما فيه ألمه، بل لا يخلو في سائر أعماله التي يتعمَّدها أن يريد بها إدراك لذة، أو الحذر من ألم، فإذا ضرب صافحاً عن لذة، فليتوصل إلى لذة أوفر نصيباً، أو أطول مدة، وإذا أخذ يقتحم ألماً، فليتخلص من ألم أشد وقعًا، أو أبقى زمناً.

وقد تتعارض اللذائذ والآلام، فيكون العمل الواحد محرزاً للذة طائفة، أو كاشفًا لألمهم، ومفوتًا لما فيه لذة قوم آخرين، أو موقعاً لهم فيما فيه ألمهم، فلو انتصب كل أحد ليحكم في استيفاء لذائذه، وإزاحة آلامه، لاستأثر باللذائذ الأقوياء، وثارت من تنازع المتكافئين في القوة فتن، واختلال راحة.


(١) محاضرة ألقاها الإِمام بنادي جمعية قدماء تلامذة مدرسة الصادقية بتونس يوم السبت ١٨ جمادى الثانية سنة ١٣٣١ هـ. وطبعت في رسالة.