وهذا التعارض في دواعي جلب اللذائذ وإبعاد الآلام، يستدعي لكل هيئة مجتمعة أن يكون لها نظام يوفي للضعيف ما يستحق من اللذة، ويفك الهرج بين القوتين المتكافئتين.
فالقصد من وضع قوانين المعاملات والجنايات: تمكين الناس من حقوقهم التي تهوي إليها أفئدتهم، ووقايتهم مما يدخل على قلوبهم بالآثار المؤلمة، وليس كل ما فيه ألم يستحق أن يدفع، ولا كل ما فيه لذة هو أهل لأن يجلب، فقد يتجرّع الشخص مشقة تعود عليه بسعادة، ويلتذ براحة تلقي به في تهلكة؛ كالمريض تلذ له بعض مطعومات تسوق له منيته، ويشمئز ذوقه من بعضها، وفيها غنيمة شفائه.
فالمعتبر لواضع الشريعة إنما هو اللذة التي لا يقارنها ألم راجح، ونسميها بالمنفعة أو المصلحة، والألم في لا تصاحبه لذة راجحة، ونعبر عنه بالمضرة أو المفسدة.
ثم إن المنافع والمضار تتفاوت، وتفاوتها إما بحسب شدتها وضعفها، أو طول بقائها وقصره، أو تحقق حصولها والارتياب فيه. تتفاوت بحسب عقمها دانتاجها، فمن المنافع أو المضار ما يكون عقيمًا لا يتولد عنه مثله، ومنها ما يتناسب وتتلاحق به نتائج على شاكلته.
ومما يلتفت إليه في الترجيح بين المصالح والمفاسد: أهمية ما ترجع إليه من دين، وعقب، وعرض، وبدن، ونسل، ومال.
فالشريعة العادلة، هي التي تزن المنافع والمفاسد، وتلاحظ ما يتفرع عنها من النتائج، ثم تفصل لها من الأحكام ما يطابقها.
وقد يسام الرجل بأدنى جناية، فتتفطر لها نفسه جزعاً، ويلذ له أن يقابل