عهدتُ الأدب في تونس بطيءَ السير، قصير الخطا. وما بطء سيره وقصر خطاه لبخل في قريحة الفتى التونسي، أو لضيق في متقلب خياله، أو لإِملاقه من مباني اللغة وفنون بيانها، فإن في ذلك الفتى ألمعية، وفي ذلك الوطن حضارة، وفي الجامعة الزيتونية والمدارس التي تستمد منها لغة فصحى وبلاغة، وإنما هي وسائل النشاط على الإنشاء والنظم لم يحظ منها الأديب التونسي بمثل ما حظي به الأديب الناشئ على وادي النيل، ولهدوء السياسة وطغيانها أثر في نهضة الأدب شديد، فشأن السياسة القاسية أن تقلب النباهة إلى خمول، وتعيد الفصاحة إلى ما يشبه الفهاهة، وإذا نبت في بيئتها أديب فائق، فإنما هي عبقريته الفذة تسمو به حتى يخرج عن طبائع هذه البيئة ما استطاع.
ما برحت النفس مشوقة إلى أن تعلم المدى الذي بلغته نهضة الأدب في وطن ابن رشيق، وابن خلدون، حتى طلع علي كتاب "الأدب التونسي في القرن الرابع عشر" صنع الكاتب البليغ السيد زين العابدين السنوسي.
أسمتُ النظر في هذا الكتاب، وما انثنيت عن مطالعته، حتى ملكني ابتهاجٌ بطريقة بحثه، وإعجاب بما تجود به قريحة ابن الخضراء، أو القيروان،
(١) مجلة "الفتح" - العدد ٨٩ من السنة الثانية الصادر يوم الخميس ٣٠ رمضان ١٣٤٦ هـ - القاهرة.