أبتهج لأن أرى في تونس أقلاماً يدق مسلكها، وتنحو فيما تكتب نحو الصراحة، وكذلك صنع مؤلف كتاب "الأدب التونسي في القرن الرابع عشر"؛ فقد أخذ في الوصف والنقد مأخذاً طريفاً، ونحا فيهما نحو من لا يضرب قلمه على مداجاة، وإنك لتقرأ ما يحدّث به عن نزعة الشاعر الأدبية، فلا تحس منه إلا أنه يقصد إلى تصوير ما يراه واقعاً، وانما يترقى فن الوصف والنقد بمثل هذه الأقلام.
أُعجبت بما اتسق في الكتاب من أدب موزون؛ إذ آنست فيه معاني وسيمة، وتخييلاً بديعاً، وغيرة على حقوق البلاد، ولا أُحجم أن أقول في كثير منه: إنه وليد عبقرية نادرة.
يخبرنا هذا الكتاب بأن نهضة الأدب في تونس أخذت -بفضل نبغائها- تقاوم طبائع العسف والسيطرة الجافية، وإذا كان في يد المسيطر أن يحول بين الجماعة والتطور الذي يجرها إليها الجهل أو الأهواء، فإن التطور الذي تنساق إليه بباعث من الحق لا تقف دونه سيطرة. فخير لمن يضرب على نهضة الأدب حصاراً، أو يشد عليها وثاقاً، أن يدرأ عنها العذاب، ويدعها تمشي في مناكب الأرض، أو تصعد إلى عَنان السماء.
يخبرنا هذا الكتاب بأن الزمن ابتدأ يعيد لذلك القطر عهدَ الحصري، وابن رشيق، وما شهدنا فيه من فلسفة وخيال يرمز إلى أن تونس ستفوز باستقلالها الأدبي، ولا ترضى أن يكون لشاعر شرقي أو غربي على أبنائها من إمارة.
أما في الموازنة بين من تلا علينا هذا الكتاب شذوراً من أشعارهم، فإن يوم الموازنة بين الشعراء يوم عسير، وهذا ما يتلبث بي أن أورد من مجموعة