سبر المؤلف مزاج الأمة العربية، فوجده لا يستقيم ليهودية ولا لنصرانية، وظنّ ظناً أكبر أن هذه الأمة ذات المزاج الخاص، لولا الإِسلام، لانتهى بها الأمر إلى إحدى هاتين الديانتين، فمزاج الأمة العربية لم يستقم لليهودية ولا للنصرانية، ولو لم يظهر الإِسلام، لصار مزاجها مستقيماً لإحداهما!.
لا يكتفي المؤلف بأن يضع فلسفته في الواقعات، ويذهب في تأويلها إلى غير ممكن، فجعل يفرض انتفاء الواقع، ويخبرك ماذا يكون عند انتفائه! لندعه يتخيل أن الإِسلام لم يظهر، ويتلهى بالحديث عن مستقبل الأمة العربية، ثم يهبها إلى أي دين شاء، فالإِسلام ظهر، والأمة العربية اعتنقته، وسواء عليها أيرضى المؤلف عنها، أم لا يرضى.
يزعم المؤلف أن الدين الجديد "يعني: الإِسلام" استتبعه مزاج الأمة العربية، وإنما الإِسلام إصلاح لكل مزاج منحرف، وحقائق يألفها كل ذي بصيرة، وقد اعتنقته أمم غير العرب، ولم يكن تقويمه لأمزجتها بأقل من تقويم مزل الأمة العربية، وما كانت ملاءمته لمداركها السامية بأضعف من ملاعصته لمدارك الأمة العربية، ولم يكن انتشاره بينها بأدنى سرعة من انتشاره بين الأمة العربية، ولم يكن هذا الانتشار معزوّاً إلى كلمة السيف؛ لأن سيف الإِسلام لا يكره الناس على الإِيمان، وإنما يُشهر لحماية الدعوة، وبسط العزّة، ولا عزة إلا بسلطان، أما الدين، فإنما كان يلج في القلوب من طريق القرآن، والدعوة بالحكمة، ومن سيرة الذين يمثلون هدايته تمثيلاً صحيحاً.
* تقسيم الشعر الجاهلي:
قال المؤلف في (٨٨): "فالأمر كذلك في اليهود والنصارى، تعصبوا