للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وجودة التمييز هما اللذان يكسبان أفعالنا جودة وكمالاً.

فأبو نصر الفارابي يوافق أرسطو في أن الخير الأعلى هو السعادة، غير أن الفارابي يجعل الفضائل النفسية والسعادة شيئاً واحداً، فلا حرج عليه في أن يقصر الخير الأعلى على السعادة، وأما أرسطو، فإنه يذهب إلى أن الفضائل النفسية هي الركن الأعظم في تقويم حقيقة السعادة، ويجمعل من متمماتها: الخيرات البدنية والخارجية، وإذا كانت السعادة تتناول الثروة، وصحة البدن، والجمال، فليس من الصواب أن تكون الخير الأعلى؛ إذ مقتضاه: أن من بلغ في الحكمة والخلق الجميل غايتهما، فإنه أن يكون جميل الوجه، أو واسع الرزق، أو صحيح البدن، يعد محروماً من الخير الأعلى؛ لأنه لم يستوف وسائل السعادة، وهذا ما لا تقبله العقول التي قدرت الحكمة والفضيلة النفسية قدرهما:

إذا كان الفتى ضخم المعالي ... فليس يضرّه الجسم النحيل

* رأي ابن مسكويه:

يقول ابن مسكويه في مؤلف له في السعادة: إن الغايات التي يتوجه إليها الناس ترجع إلى قسمين:

أولهما: ما يشترك فيه الناس والحيوان؛ كالمأكل والمشرب ونحوهما مما يسميه الناس لذيذاً، وهذا مما يظنه أكثر الناس سعادة، وليس الأمر كما يظنون، فإن ما كان مشتركاً بيننا وبين البهائم ليس من شأنه أن يكون كمالاً لنا من حيث إن أنّا أناس، فلا يدخل في باب سعادتنا.

ثمانيهما: ما يختص به الإنسان، ولا يشاركه فيه غيره من الحيوان، وهو الأفعال الفاضلة، والخلق الجميل، وقوة الذهن، ولهذه الأمور الثلاثة