قال المؤلف في (ص ١١٤): "فأما أبو عبيدة معمر بن المثنى الذي يرجع العرب إليه فيما يروون من لغة وأدب، فقد كان أشد الناس بغضًا للعرب، وازدراء لهم، وهو الذي وضع كتاباً لا نعرف الآن إلا اسمه وهو:(مثالب العرب) ".
كأنَّ المؤلف لا يؤمن بأن أحداً يبغض شخصاً أو حزباً أو شعباً دون أن يفتري عليه كذباً، ونحن نعرف في الشرق والغرب أناساً انعقدت بيننا وبينهم صلة الصداقة والصحبة، وربما كانوا يبغضون أشخاصاً أو جماعات بغضَ المؤلف للعرب بعد الإِسلام، ولكنهم يقدرون فضيلة الصدق، ويحتفظون بلباس المروءة، فلم نلمح في سيرتهم ما يقرب من أمثال هذه المبالغات أو المبتدعات التي يصوغها كتاب "في الشعر الجاهلي"، ويدسها في التاريخ, وهي لا تقبل أن تلجَ في التاريخ حتى يلجَ الجمل في سمِّ الخياط.
أنستبعد أن يكون أبو عبيدة من قَبيل هؤلاء الذين يبغضون ولا يفترون، ونذكر اسمه في أسباب انتحال الشعر، دون أن نبحث في سيرته بأناة؟!.
قد نقد أبا عبيدة أناس يزنون الرجال بالقسطاس المستقيم، وأذاعوا نتيجة نقدهم له، فقالوا:"كان الغالب عليه الشعر والغريب وأخبار العرب. وكان مخلّاً بالنحو، كثير الخطأ، وكان -مع ذلك- مغرًى بنشر مثالب العرب، جامعاً لكل غثّ وسمين، وهو مذموم من هذه الجهة، وموثوق به فيما يروي عن العرب من الغريب"(١).