في علماء اللغة والأدب للعهد الذي يتحدث عنه المؤلف كثير من العرب، مثل: الخليل بن أحمد، وأبي عمرو بن العلاء، والمفضل الضبي، والأصمعي، ومحمد بن سلام الجمحي، والمبرّد، وابن دريد، وفيهم كثير من بلاد العجم، وليسوا بموال؛ كالزجاجي، وأبي عمرو الهروي، وابن درستويه، وأبي حنيفة الدينوري. وفيهم كثير من الموالي، مثل: سيبويه، والكسائي، والفرّاء، وابن الأعرابي، وأبي عمرو الشيباني. وأنت إذا تقصيت آثار هؤلاء وأمثالهم ممن خدموا اللغة العربية وآدابها بالرواية والتأليف، لا تجد بها سوى روح علمية سامية، ومن قلة الإنصاف في البحث أن يقال عنهم: إنهم كانوا يزدرون العرب، ويغضون من أقدارهم، ولو تبينت هذا الذي جاء به المؤلف لم تجد له من شبهة سوى أن يقول: إن أصلهم عجم، وفي العجم شعوبية، أو يمد يده إلى رجال "حديث الأربعاء"، ويضم طائفة منهم إلى أبي عبيدة، ثم يقول لك: هؤلاء يمثلون الكرة المطلقة من العلماء الذين انصرفوا إلى الأدب واللغة.
لا يدري القارئ" ما وجه هذا الحديث عن علماء الكلام والفلسفة في هذا الفصل المعقود للشعوبية وانتحال الشعر، ولا أحسب أحداً يمشي في البحث على هذه الهيئة إلا حيث ينسى الغاية التي يرسمها عنوان الفصل، وينحرف عنها أذرعاً ليقضي حاجة أخرى.
قد يوجد في علماء الكلام والفلسفة مثل أبي عبيدة في علماء الأدب واللغة، أما دعوى أن الكثرة المطلقة من الموالي، وأن هذه الكثرة تبغض العرب، أو تستحل الافتراء عليها، فليس للمؤلف بها من سلطان إلا محاولته لأن يصنع لذلك العهد تاريخاً يحمل مساوي لا ترى بينها سريرة طيبة، أو سيرة حسنة.