للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

محاكاة المسلمين للأجانب (١)

قد يوجد في أفراد البشر من يولد في بيئة عفاف وحكمة، وتتولاه يد التربية الحازمة بالتنبيه لمواقع الهَنات، فتكون سيرته كالسبيكة الخالصة لا يجد فيها الناقد مغمزاً. وليس على وجه المعمورة اليوم أمة استوفت خصال الكمال، وبلغت في رقيها المدني أن يفتح الناقد الألمعي فيها عينه، فلا يرى إلا أعمالاً مرضية، أو عادات مقبولة، فإذا وجد في الأفراد من يُفَضَّل ببراءته من العيوب جملة، فإن الأمم تُفَضَّل بغلبة خيرها على شرها، ورجحان محامدها على مذامها، وإذا وجد في الأفراد من يأذن لك أساتذة التربية في أن تقتدي بسيرته على الإطلاق، فليس في الأمم أمة يقول الرجل الحكيم لشعبه الناهض: خض خوضها في كل واد، وشابهها مشابهةَ الغراب للغراب.

هذه حقيقة قد تغيب عن أذهان فئة من الشعوب الآخذة في النهوض، فإذا رأوا أمة ذات معارف وسطوة، تهافتوا على محاكاتها في غير تدبر واحتراس، وربما سبقوا إلى ما يعدّ من سقط متاعها، ومستهجن عاداتها، فصبّوا هممهم في تقليدها فيه، فزادوا شعبهم وهناً على وهن، وكانوا كالعثرات تعترضه، فتعوقه عن السير، أو تجعل سيره في الأقل بطيئاً.


(١) مجلة "نور الإِسلام" - العدد السادس من المجلد الثالث، الصادر في شهر جمادى الثانية ١٣٥١ هـ - القاهرة.