للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الخيال في الشعر العربي (١)

* الشعر:

يعرف العريىّ في جاهليته، كما عرف بعد أن نسل إليه العلم من حدب: أن الكلام ينقسم إلى شعر ونثر، والميزة المحسوسة لكل أحد: أن الشاعر لا يحثو عليك الألفاظ جزافاً مثلما يفعل الناثر، وإنما يلقيها إليك في أوزان تزيد في رونقها، وتوفر لذتك عند سماعها، ومن أجل هذا ذهب بعضهم في حد الشعر إلى أنه كلام مقفّى موزون، وهذا مثل من يشرح لك الإنسان بأنه حيوان بادي البشرة، منتصب القامة، فكل منهما قَصَرَ تعريفه على ما يدرك بالحاسة الظاهرة، ولم يتجاوزه إلى المعنى الذي تتقوم به الحقيقة، ويكون مبدأ لكمالها، وهو التخييل في الشعر، والنطق في الإنسان.

فالروح التي يُعدُّ بها الكلام المنظوم في قبيل الشعر، إنما هي التشابيه والاستعارات والأمثال، وغيرها من التصرفات التي يدخل لها الشاعر من باب التخييل، وليس الوزن سوى خاصة من خواصِّ اللفظ المنظور إليها في مفهوم الشعر بحيث لا يسميه العرب شعراً إلا عند تحققه، وإطلاق الشعر على الكلام الموزون إذا خلا من معنى تستطرفه النفس، لا يصح إلا كما


(١) طبع هذا البحث في رسالة مستقلة عام ١٣٤٠ هـ - ١٩٢٢ م.