يصح لك أن تسمي جثة الميت إنساناً، أو تمثال الحيوان المفترس أسداً.
والمنثور من الكلام يشارك الشعر في اشتماله على الصور الخيالية، ولكن نصيب الشعر منها أوفر، وهو بها أعرف، كما يمتاز بأحد أنواع التخييل، وهو ما لا يتوخى به صاحبه وجه الحقيقة، وإنما يقصد به اختلاب العقول، ومخادعة النفوس إلى التشبث بغير حق، كما قال ابن الرومي يدعوك إلى أن تطوي جناحيك على جذوة من الحقد:
وما الحقدُ إلا توأمُ الشُّكْرِ في الفتى ... وبعضُ المزايا ينتسبنَ إلى بعضِ
فحيث ترى حقداً على ذي إساءة ... فثمَّ ترى شكراً على واسعِ القرضِ
وقال آخر - يزين لك أن تدرج نفسك في كفن الذل، وتواريها في حفرة من الخمول-:
ولاختصاص الشعر بهذا النوع من التخييل، أطلق بعض المشركين من العرب على الرسول - صلى الله عليه وسلم - اسم الشاعر، ليلقوا في أوهام السذج: أن كلامه من نوع ما يصدر عن الشعراء من الأقوال المموّهة، والتخيلات الباطلة.
فهم يعلمون أن القرآن بريء من النزعة التي عهد بها الشاعر، وهي عرض الباطل في لباس الحق؛ لأنه إنما ينطق بالحكمة، ويجادل بالحجة، ولا يخفى عليهم: أنه مخالف للشعر في طريقة نظمه؛ فإن للشعر عروضاً