الألفاظ بمنزلة الظروف تنقل المعاني من نفس إلى أخرى، فيحسن أن تكون على قدر المعنى الذي قصد إلى نقله، فإن كانت أقل منه، وصل المعنى إلى ذهن المخاطب ناقصاً، وإن كانت أكثر منه، حملت لسانك ما لا حاجة إلى حمله، وألقيت في سمع مخاطبك ما لا طعم له ولا رائحة.
والألفاظ للمعاني بمنزلة الثوب للبدن، ومن الأثواب ما يقي من الحر والبرد، ولكن العين تمجُّه؛ لرداءة مادته، أو ضعف نسجه، أو قبح منظره؛ وكذلك الألفاظ قد تفصّل على قدر المعنى، ولكن الذوق يمجها؛ لتنافر حروفها، أو تجافي كلماتها، أو تخاذل نظمها، أو انحرافها عن هيئة وضعها. ونقدُ اللفظ إما أن يعود إلى المفرد، وإما أن يعود إلى التركيب.
ومما يعود إلى المفرد: استعماله في غير معنى صحيح؛ كما عابوا قول المتنبي:
ومِنْ نكدِ الدنيا على الحرِّ أن يرى ... عدواً له ما من صداقته بُدُّ
فإن الصداقة المحالة وهي إصفاء المودة، والإنسان لا يضطر إلى أن يصادق عدوه، أو يمحض له المودة، وإنما يضطره الحال إلى مداراته، وذلك ما يعنيه الشاعر، ومقتضى هذا المعنى أن يقول:"ما من مداراته بدّ".
ومن عيوب المفرد: مخالفته لقانون الصرف، كما قال أبو عبد الله الحجاج:
خرقت صفوفَهم بأَقَبَّ (١) نهدٍ ... مراح الصوت متعوبِ العنانِ
(١) أقب من القَبَب، وهو دقة الخصر وضمور البطن. والنهد: الفرس الحسن الجميل.