هذه البنيَّة؟ وما هو السائق لهم إلى أن يؤموا مكة في كل عام رجالاً وركباناً؟ فسنّة الله في الخليقة تقتضي ألا يتفق قبائل شتى على احترام بقعة، وحط الرحال إليها في كل عام إلا لعامل خطير يكون له هذا الأثر الكبير، ولا بد أن يكون هذا العامل مذكورًا على ألسنة تلك القبائل تتناقله أجيالهم طبقة بعد أخرى.
وإذا أطلقنا البحث في الروايات المحكمة، أو الأساطير الملفقة، لم نجد بها سوى أن تلك الحرمة التي يحملها العرب لمكة تتصل بعهد إسماعيل وإبراهيم. فمن يدعي أن لتلك الحرمة سبباً آخر، فعليه بيانه، وعلينا حسابه. والمؤلف على الرغم من كونه يهاجم بهذا البحث ديناً تفلّ السيوف القاطعات ولا تُفَلُّ حججه، لم يتعرض لسبب إقبال العرب على مكة بالاحترام والتعظيم، ولم يزد على أن ذكر أن قريشاً تجتمع حولها، والعرب المشركون يحجون إليها.
وإذا سلمنا أن الباعث للعرب في القديم على احترام مكة والحج إليها غير قصة إسماعيل وإبراهيم، فما هو العامل القوي الذي استطاع التأثير على عقول تلك القبائل بأسرها حتى تحولت عما كانت تتصور من وجه احترام الكعبة إلى اعتقاد أنها من بناء إسماعيل وإبراهيم؟ فانقلاب قبائل من عقيدة إلى أخرى واقعة خطيرة، وشأنها أن تتلمح، ولوفي الأساطير والأسمار.
* هل حاولت قريش توجيه وحدة سياسية؟
قال المؤلف في (ص ٢٨): "فقريش إذن كانت في هذا العصر ناهضة نهضة مادية تجارية، ونهضة دينية وثنية. وبحكم هاتين النهضتين كانت تحاول أن توجه في البلاد العربية وحدة سياسية وثنية مستقلة تقاوم الروم والفرس