ختم المؤلف كتابه بملاحظتين: الأولى: أن هذا الدرس الذي قدمه ينتهي له إلى نتيجة إلا تكن تاريخية صحيحة، فهي فرض يحسن الوقوف عنده، والاجتهاد في تحقيقه.
وقال في (ص ١٨٠) شارحاً هذه النتيجة: "وهي أن أقدم الشعراء فيما كانت تزعم العرب، وفيما كان يزعم الرواة، إنما هم يمنيون، أو ربعيون، وسواء أكانوا من أولئك، أو من هؤلاء، فما يروى من أخبارهم يدل على أن قبائلهم كانت تعيش في نجد والعراق والجزيرة؛ أي: في هذه البلاد التي تتصل بالفرس اتصالاً ظاهراً، أو التي كان يهاجر إليها العرب من عدنان وقحطان على السواء.
وإذاً، فنحن نرجح أن هذه الحركات التي دفعت أهل اليمن من ناحية، وأهل الحجاز من ناحية أخرى إلى العراق والجزيرة ونجد، في عصور مختلفة، ولكنها لا تكاد تتجاوز القرن الرابع للمسيح، قد أحدثت نهضة عقلية وأدبية، لما كان من اختلاط هذين الجنسين العربيين فيما بينهما، ومن اتصالهم بالفرس. ومن هذه النهضة نشأ الشعر، أو قل إذا كنت تريد التحقيق: ظهر الشعر، وقوي، وأصبح فناً أدبياً. وقد ذهب هذا الشعر، ولم يبق منه شيء إلا الذكرى، ولكن لم يكد يأتي القرن السادس للمسيح، حتى تجاوزت هذه النهضة أقطار العراق والجزيرة ونجد، وتغلغلت في أعماق البلاد العربية نحو الحجاز، فمسّت أهله. ومن هنا ظهر الشعر في مضر ومن إليهم من أهل البلاد العربية الشمالية. فالشعر كما ترى يمني قوي حين اتصلت القحطانية بربيعة، ولكنا لم نعرفه، ولم نصل إليه إلا حين تغلغل في البلاد العربية، وأخذته مضر عن ربيعة".