العفاء، ولا تمد في البحث خطوة حتى تحدث القراء عن منهج (ديكارت)، فإن أنباءه ما برحت عامية عن أنصار القديم، وما فتئت غامضة عن أنصار الجديد، وابسطْ يدك معاهداً للقراء على أنك ستستقيم على هذا المنهج، ولا تحيد عنه إصبعاً، وإن وضعت الشمس في يمينك، والقمر في يسارك، ثم اطوِ في نفسك أنك ستذهب مغرباً، وتدع هذا المنهج يذهب مشرقاً.
وأقبلْ على بعض كتب عربية مثل كتاب "الأغاني"، وكتاب "الحيوان" للجاحظ، والتقطْ منها ما يعينك على قضاء تلك الحاجة، أو إرضاء تلك العاطفة، وانصرفْ منها إلى كتب يلقيها بعض المخالفين كالعثرات في سبيل هداية القرآن، وانتزع من كلماتها الجافية ما يلائم مسلكك، وسقه إلى القراء في هيئة من يروي قولاً، أو يحكي رأياً، وإن شئت، فاصدع به على أنه وليد فكرك، وألبسه من الجهل على حضرة أكمل الخليقة ثوباً خشناً، ولا تبال شعور هذه الأمم الإسلامية، وإن كان دين دولتها الإسلام.
وولّ وجهك شطر ما يكتبه المستشرقون في أدب اللغة، واقلبه إلى العربية، وأخرجه في صورة ما أنتجته قريحتك. وقدم بين يديه، أو ائت من ورائه بجمل تتطاول بها على القدماء، وتتباهى بها على أنصار القديم، فإن ذلك أبلغ وسيلة إلى إبعاد الظنون عن جولة يدك، وسقوط أمانتك.
فإن أنت صنعت هذا كله، فقد استقام لك القياس، وجئت به مستوفي الشرائط، فاحمل عليه من النتائج ما دعتك إليه الحاجة، أو نزعت بك إليه العاطفة؛ لأنك تكتب لطائفة بلهاء، تنطق عليها بالسخف، فتضرب أيمانها على شمائلها طرباً.
هذه طريقة درس الشعر الجاهلي والشعراء الجاهليين، وقد بلغ المؤلف من ذلك ما كان يريد.