"مقاماته" بمثل قوله: "بل نتوازن في المقال وزن المثقال، ونتحاذى في الفعال حذو النعال".
والقول الفصل في هذا: أن ما يصدر من الصديق، إن كان من قبيل العثرة التي تقع في حال غفلة، أو خطأ في اجتهاد الرأي، فذلك موضع الصفح والتجاوز، ولا ينبغي أن يكون له في نقض الصداقة أثر كثير أو قليل.
أما إن كان عن زهد في الصحبة، وانصرافاً عن الصداقة، فلك أن تزهد في صحبته، وتقطع النظر عن صداقته، وهذا موضع الاستشهاد بمثل قول الكميت:
وما أنا بالنكس الدنيء ولا الذي ... إذا صدَّ عني ذو المودة يقربُ
ولكنه إن دام دمت وإن يكنْ ... له مذهبٌ عني فلي فيه مذهبُ
ألا إن خير الودِّ ودٌّ تطوعت ... له النفسُ لا ودٌّ أتى وهو متعبُ
والفرق بين عثرة قد تصدر من ذي صداقة، ويين جفاء لا يكون إلا من زاهد في الصداقة، يرجع فيه الرجل إلى الدلائل التي لا يبقى معها ريب، والتفريط في جانب الصديق ليس بالأمر الذي يستهان به، فلا ينبغي الإقدام عليه دون أن تقوم على قصده لقطع المودة بيّنةٌ واضحة.
* عتاب الأصدقاء:
لا يخلو الرجل، وهو معرَّض للغفلة والضرورة والخطأ في الرأي، أن يُخل بشيء من واجبات الصداقة، فإن كنت على ثقة من صفاء مودة صديقك، أقمت له من نفسك عذراً، وسرت في معاملته على أحسن ما تقتضيه الصداقة.
فإن حام في قلبك شبهة أن يكون هذا الإخلال ناشئاً عن التهاون بحق الصداقة، فهذا موضع العتاب، فالعتاب يستدعي جواباً، فإن اشتمل الجواب على عذر، أو اعتراف بالتقصير، فاقبل العذر، وقابل التقصير بصفاء خاطر،