أحدثكم عن أمة من أهل العلم عاشوا في السنين الخالية. ولا أقصد بحديثي عنهم الدعوة إلى أن نأخذ بكل مظهر من مظاهرهم، أو نقتدي على كل أثر من آثارهم؛ فإن لكل جيل شأناً، ولكل دولة لبوساً، وإنما هي نظرة نلقيها على سيرة أولئك العلماء من الناحية التي يتمثل فيها أدب الإسلام، وتتراءى فيها الهمة النبيلة، وهي ناحية لا تختلف باختلاف المواطن، ولا تتبدل ما تبدلت الأجيال.
وإذا كانت بلاد الأندلس قد أحيط بها، وتقلصت ظلال الإسلام من أقطارها، وكان على علمائها الذين شهدوا يوم كانت تتقلص نصيب من التبعة غير قليل، فنحن إنما نحدثكم عن العلماء الذين ظهروا أيام شباب الدولة الإسلامية، وكانوا العضد الأقوى في بسط سلطانها، وإقامة معالمها، أو نحدثكم عن أفراد من العلماء نشؤوا أيام هبوط تلك الدولة، وقضوا من واجب العلم والإرشاد ما استطاعوا، ولكنهم وجدوا في الآذان وقراً، وعلى الأبصار غشاوة: {وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا
(١) محاضرة نشرت في رسالة صغيرة عام ١٣٤٧ هـ وقد ألقاها الإمام في نادي جمعية الشبان المسلمين بالقاهرة، باسم جمعية الهداية الإسلامية مساء الأربعاء ١٨ ذي الحجة ١٣٤٦ هـ.