في اللغة العربية، كانت قد فرَّطت في جنب الله، وأضاعت من يدها لساناً بلغ في الإبداع أقصى ما يمكن أن تبلغه لغات بني الإنسان.
كتب "جول فرن" قصة خيالية (١) بناها على سياح يخترقون طبقات الكرة الأرضية حتى يصلوا أو يدنوا من وسطها، ولما أرادوا العود إلى ظاهر الأرض، بدا لهم أن يتركوا هنالك أثراً يدل على مبلغ رحلتهم، فنقشوا على الصخر كتابة باللغة العربية، ولما سئل (جول فرن) عن وجه اختياره للغة العربية، قال: إنها: لغة المستقبل، ولا شك أنه يموت غيرها، وتبقى حية حتى يرفع القرآن نفسه.
* اللغة في عهد الجاهلية:
كانت اللغة في عهد الجاهلية تعبر عن حاجات القوم، وما تجود به قرائحهم، أو يجري في مخيلاتهم من صور المعاني، فما كانوا ليحسوا نقصًا في لغتهم، وإنك لترى المذاهب التي كانوا يطلقون فيها أعنتهم؛ كالفخر والنسيب، فسيحة الأرجاء إلى أقصى ما يمكن أن يبلغه الناشئ في مثل بيئتهم، الآخذ من المعاني المحسوسة أو المعقولة مثل مأخذهم، ومن نظر في أشعارهم وخطبهم ومحاوراتهم، وجد من جودة تصرفهم في المعاني، وحسن سبكهم للألفاظ ما يدله على أنهم كانوا يرسلون الفكر والخيال، ويصوغون ما شاؤوا من المعاني، فيجدون في ألفاظ لغتهم وأساليبها ثروة تسعدهم على أن يقولوا فيبدعوا.
وإليك مثلاً من إبداعهم في الفخر بالبسالة والثبات في حومة الوغى، قال ودّاك بن ثميل المازني يخاطب بني شيبان:
(١) من مقال: "عليكم باللغة العربية" للأستاذ محمود بك سالم.