أنكر المؤلف أن يكون في عهد الرسالة ولاة يحكمون بين الناس بقانون الشريعة، فأقمنا من الرواية بينات تشهد بأن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يبعث إلى البلاد المفتوحة أمراء يدخل في إمرتهم فصل الخصومات بين الناس، ومنهم من يصرح له بالسلطة القضائية؛ كما جاء في حديث معاذ بن جبل، وعلي بن أبي طالب، وتوسع في الإنكار حتى زعم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يرسل والياً لتدبير أحوال البلاد، وإنما كان يرسل غازياً أو عاملاً على المال، فكافحناه بشهادة التاريخ على أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يبعث أمراء من غير أمراء السرايا والعمال على المال، ولا شأن لأولئك الأمراء إلا تدبير أحوال البلاد، والحكم بينهم على سنّة القضاء في الإسلام، وتطوّح به نزق التمرّد إلى أن يقوِّض سائر أركان الدولة الإسلامية، فلوّح بإنكار ما وراء القضاء والولاية السياسية من أعمال "لا يكمل معنى الدولة إلا بها؛ كالعمالات التي تتصل بالأموال ومصارفها (المالية)، وحراسة الأنفس والأموال (البوليس)، وغير ذلك مما لا يقوم بدونه أقل الحكومات وأعرقها في البساطة".
لنبحث مع المؤلف في القضاء والمالية والبوليس مع رعاية ما يقتضيه المقام من إيجاز، ونرجئ البحث فيما عدا هذه الأصول الثلاثة إلى مقام أليق بها من هذا المقام.
* نبذة من مبادئ القضاء في الإسلام وآدابه:
ذكرنا فيما سلف: أن للقضاء مبادئ لا يستوفي الحكم نصيبه من العدل إلا برعايتها، ولا يمتري ذو أثارة من علم أن الإسلام قد أدار سياسته على محورها. وهناك نظم مطوية في أصول عامة هي موكولة إلى اجتهاد الحاكم، ومقتضى حال البيئة، ومن هذه النظم ما نعلم حق اليقين أن حال الأمة في