للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عصر النبوة لا يزال في غنى عنها.

تحدثك في هذا المقال عن بعض مبادئ القضاء ونظمِه المنبَّه عليها في الكتاب والسنّة؛ لتعلم أن القضاء في عهد النبوة لم يكن في نظر علماء الإسلام غامضاً.

ملاك القضاء العادل: عِلْمُ القاضي، واستقامته، واستيفاؤه النظر في وسائل الحكم، واستناده إلى البينة، وقوة العزم في الفصل، وبسط مجال الحرية للخصوم؛ حتى يدافعوا عن حقوقهم باطمئنان جأش، وطلاقة لسان.

أما العلم، فقد كان الحكام في عهد النبوة على علم بما يلقى على عاتقهم من أعمال القضاء وغيره، ودليل هذا من جهة النظر: أن النبي - عليه السلام - يقول: "لا حسد إلا في اثنتين، رجل آتاه الله مالاً فسلطه على هلكته، ورجل آتاه الله الحكمة، فهو يقضي بها، ويعلّمها" (١). وقال: "إن القضاة ثلاثة: واحد في الجنة، واثنان في النار، فأما الذي في الجنة، فرجل عرف الحق فقضى به، واللذان في النار: رجل عرف الحق فجار في الحكم، ورجل قضى في الناس على جهل" (٢). فالذي يجعل القضاء قائماً على الحكمة، ويقول: إن القضاء بجهل يلقي صاحبه في حفرة من النار، لا يضع السلطة القضائية إلا في يد عالم بالأحكام، بصير بمذاهب الحقوق، ويضاف إلى هذا: أن الذين "حفظت عنهم الفتوى من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مئة ونيف


(١) "صحيح البخاري" (ج ١ ص ٢١).
(٢) أصحاب السنن، والحاكم، والبيهقي. انظر: "تلخيص الحبير" (ج ٢ ص ٤٠٢) طبع دهلي.