للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وثلاثون نفساً، ما بين رجل وامرأة(١) ومما لا يحتمله العقل: أن يصرف الرسول - عليه السلام - نظره عن هؤلاء الذين بلغوا رتبة الفتوى، ويضع الحكم في أيدي قوم لا يعلمون.

وقال شيخ الإسلام في "منهاج السنّة" (٢): "وكان الواحد من خلفائه إذا أشكل عليه الشيء، أرسل إليه يسأله عنه، فكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في حياته يعلم خلفاءه إذا جهلوا، ويقوّمهم إذا زاغوا، ويعزلهم إذا لم يستقيموا".

وعلى هذه السيرة اقتدى علماء الإسلام، فاشترطوا في القاضي: أن يكون بالغاً في العلم مبلغ الاجتهاد؛ حتى يتناول الأحكام من أصولها مباشرة، وكذلك كانوا يفعلون.

ويترتب على هذا الشرط: أن لا يقلّد أحد القضاء إلا بعد معرفة مكانته في العلم. وقد اختبر النبي - صلى الله عليه وسلم - معاذ بن جبل حين توليته القضاء؛ ليزداد خبرة بمبلغ علمه بالقضاء، فقال له: "كيف تقضي إذا عرض لك قضاء؟ إلخ".

وأما الاستقامة، فالكتاب والسنّة طافحان بالأمر بالعدل، وتشديد الوعيد على التهاون بواجبه، فلا بد أن يكون قضاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أتقى الناس قلوباً، وأعدلهم في الحكومة ميزاناً، وهذا أحدهم، وهو عمر بن الخطاب، يقول في رسالته إلى أبي موسى الأشعري: "وآس بين الناس في مجلسك وفي وجهك وقضائك؛ حتى لا يطمع شريف في حَيفك، ولا ييئس ضعيف من عدلك".


(١) "إعلام الموقعين" (ج ١ ص ١٤).
(٢) (ج ٤ ص ٩٣).