داعي العاطفة الدينية، فأصدر حكمه في القضية على ما أذن به الدين، وأعرض عن داعي العاطفة الشخصية جانباً.
وقد يتجاذب العاطفةَ الشخصية - كعاطفة الصداقة - ناحيتان، تقتضي إحداهما مسلكاً، وتقتضي الأخرى مسلكاً غيره، والكيّس يزن الناحيتين، ويقدم الناحية التي ينصح بها الدين، ويرتضيها العقل.
قال السلطان صلاح الدين الأيوبي يوماً للقاضي الفاضل: لنا مدة لم نر فيها العماد الكاتب، فلعله مريض، امض إليه، وتفقد أحواله. فلما دخل القاضي الفاضل دار العماد، وجد أشياء أنكرها في نفسه؛ مثل: آثار مجالس الخمر وآلات الطرب، فخاطبه منشداً:
ما ناصحتك خبايا الودِّ من رجل ... ما لم ينلك بمكروه من العذلِ
محبتي فيك تأبى أن تسامحني ... بأن أراك على شيء من الخللِ
فلما قام من عنده، أقلع العماد عما كان فيه، ولم يعد إليه.
فعاطفة المودة قد تدعو إلى الإغضاء عن معايب الصديق؛ لأن تنبيهه إلى العيب قد يؤلمه، وربما أحدث جفاء بين الصديقين، وقد تدعو إلى تنبيهه لبعض ما يأخذه عليه الناس متى أبصروه، وهذا ما يدعو إليه الدين، وتنادي به الفضيلة.
وكان ابن هبيرة يقول: اللهم إني أعوذ بك من صحبة مَن غايته خاصة نفسه، والانحطاط في هوى مستشيره، ومن لا يتلمس خالص مودة أصدقائه إلا بالتأتي لموافقة شهواتهم.
* كيف تربى عاطفة الخير؟
عواطف الخير كثيرة، وتربى العاطفة الشريفة ببيان ما يترتب على العمل