إِنْ كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ} [النور: ٦ - ٧]. ولما كان الشاهد بالزنا يلتبس أمره بالقاذف التباساً شديداً، فربما ينوي الرجل قذف آخر، فيرميه بالزنا في صورة الشهادة عليه، والذي هو شاهد حقيقة قد يدفعه المشهود عن نفسه، ويزعم أنه قاذف يستحق العقوبة، أقام الشارع فرقاً فاصلاً بينهما، فاشترط في صحة الشهادة على الزنا أربعة عدول، فإن القاذف يتميز عن الشاهد بوصفين: التهاون بأمر الدين، والغل الواغر في صدره بالنسبة للمقذوف، ومن البعيد اتفاق هذين الوصفين في جماعة من المسلمين عرفوا بالعدالة، فإذا لم يتم نصاب الشهادة، التحق الشاهد بالقاذف، وأجري الحد عليه.
وكثير من أحكام الشريعة ما هو مبني على مبدأ صيانة الأعراض؛ كرعاية الكفاءة في الأزواج؛ فإن اقتران المرأة بمن هو أدنى منها حسباً، وأخفض منها حالاً لا يخلو عن حطة في العادة يشملها عارها، ثم يمتد إلى وليها وذوي قرابتها، ويعرض بولدها لأن يلاقي من عشيرته مقتاً وهواناً. قال الشاعر العربي:
وإن ابن أخت القوم مصغى إناؤه ... إذا لم يزاحم خاله بأب جلد
ويؤثر عدم الكفاءة في المعاشرة بين الزوجين شغباً واضطراباً بسبب فخار المرأة وتطاولها، وربما نزع من يد الزوج سلطته التي يحوط بها عفتها، ويصون بها كرامتها؛ لإباية النفوس طبيعة من الطاعة لمن هو دونها مدنية وآداباً.
* الحرية في الدماء:
ينظر العمرانيون إلى الأمة التي تجمعها رابطة، فيشاهدونها في صورة جسم واحد، وأفرادها هي أعضاؤه المتلاصقة، وليس سفك دم الفرد منهم