ونقل شرَّاح "درة الغوَّاص" عن أبي محمد ما يؤخذ منه أن اشتقاق الأفعال من اسم العين على وزن استفعل مقبول في القياس، ذلك أن الحريري أنكر قولهم:"استأهل"، فقال أبو محمد: استأهل استفعل، وأصله الهمزة، وهو جائز كثير؛ كاستأسد الرجل، واستأبر النخل، واستنوق الجمل؛ أي: صار ناقة، فإذا استعمل استأهل بمعنى صار أهلاً، كان قياساً جائزاً مع أن السماع فيه ثابت.
ولم نجد في نصوص أهل العلم ما يساعد على الاشتقاق من أسماء الأعيان بإطلاق، وهو موضوع يستدعي بسطًا في القول، فنكتفي في هذا الفصل بما حدثناك به، وندع البسط إلى غير هذا المقام.
* ما هو الاستقراء الذي قامت عليه أصول الاشتقاق؟
لا يجب على الناظر في المشتقات من نحو: اسم الفاعل، واسم المفعول، وأفعل التفضيل، واسم المكان، واسم الزمان- عندما يريد تقرير قواعدها- أن يستقرئ جميع ما ورد منها في كلام العرب، فإنه يتعذر عليه الوصول إلى هذه الغاية، نظراً إلى سعة اللغة، وانتشارها إلى ما لا يمكن الإحاطة به، والذي في وسعه أن يتتبع جزئياتها إلى أن يأتي على مقدار يفيد ظناً قوياً، وثقة بأن اللغة جارية في مثله على رعاية قاعدة، والذي لم يقع تحت استقرائه يكون قاصداً لإجرائه في الكلام على ما يطابق هذه القاعدة، فيصح لنا أن نرجع إلى القاعدة في كل لفظ يتفق دون أن نتوقف على سماع.
وهاهنا إشكال لا يزال يتردد على ألسنة طلاب العربية، وهو أن واضع القاعدة إذا لم يلزمه استقراء جميع جزئياتها، وجاز له الإكتفاء في تقرير القاعدة بتتبع جانب عظيم من الجزئيات، فما باله يصرح في بعض الأفعال والمصادر؛