ولكنك إذا راعيت ما انضم إليه من تشبيه القصر القائم على ضفة البحر بالخطيب، وتلاطم الأمواج بالتصفيق، لم يكن في وقوعه على ذوقك أقل تأثير من تشبيهه بالغنم السائمة.
* الغرض من التخييل:
عادة النفس الارتياح للأمر تشاهده في زي غير الذي تعهده به، والتخييل يأتيها من هذا الطريق، فيعرض عليها المعاني في لباس جديد، ويجليها في مظهر غير مألوف.
فللتخييل فائدة عامة لا تتخلى عنه، وهي تحريك نفس السامع لتلقي المعنى بارتياح له، وإقبال عليه، ولو كان من قبيل الحديث المألوف أو المعلوم بالبداهة. وانظر إن رمت الثقة بهذا إلى قول الشاعر:
فالمعنى الذي صيغ البيت لتأديته لا يتعدى قولك: أخذنا نتناوب الحديث، والإبل تسير مسرعة في الأباطح. وهذا كما رأيته معنى مبذول، وحديث لا يختص به عابر سبيل دون آخر، ولولا أن الشاعر أورده في هذه الصورة التي خيلت إليك بطاحاً تتدفق بسيل من أعناق المطايا، لم ينل عندك هذا الموقع من الحظوة والاستحسان.
قد يكون للمعنى في ذاته وجه يدعو نفس السامع إلى النفور عنه، وصناعة التخييل تبقي له أثراً لذيذاً في النفس، فتأتيها اللذة من ناحية غير الناحية التي يجيءُ منها النفور، فلو سمع أشياع ابن بقية قول عمارة اليمني شامتاً به وهو مصلوب:
ونكَّسَ رأسه لعتاب قلبٍ ... دعاه إلى الغواية والضلالِ