للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لوجدوا لهذا البيت في أنفسهم ألماً بليغاً يدخل عليها من جهة القدح في كرامة رجل امتلأت صدورهم بإجلاله، وهذا الألم لا يمنع من أن يبقى للبيت في نفوسهم أثر لذة تسري إليها من جهة التخييل، وإن كانوا لها كارهين. ومما قلت في بعض الخواطر: "قد يهذب السياسي حاشية ظلمه، فيكون كالبيت البليغ يؤثر في نفس من يهجى به لذة وألماً".

قد يبدو لك أن هذه الفائدة العامة إنما تتحقق فيما إذا كان المعنى معروفاً للسامع من قبل التخييل؛ كوصف حال القمر والكواكب والبرق والسحاب والرياض والأنهار، والمقلة والثغر والقلم والدواة، أو حال الرجل من كرم وشجاعة وعلم وغيرها من الخصال؛ إذ يصح أن يقال: إن التخييل قد عرض على السامع هذه المعاني في صور حديثة. وأما الوقائع والأحوال المجهولة، فلم يعرفوا لها صورة من قبل، حتى تعد الصورة الخيالية جديدة، وتحدث في النفس لذة زائدة عن لذة العلم بأصل المعنى.

والجواب: أن المعنى الذي تتلقاه من الشاعر دون أن تسبق لك معرفة به، قد يلقيه إليك بوجه صريح، ثم يدخل به في الخيال، كما هي في الطريقة الشائعة في التشبيه والتمثيل، وعد التخييل في هذا صورة جديدة بالنسبة إلى الصورة التي نقشها التصريح أولاً مما لا تعتريك فيه شبهة.

وقد يلقيه لأول الخطاب في صورة خيالية، وهذا مما يصح عده في الصور المستجدة؛ إذ للمعاني صور أصلية، وهي التي ترتسم في النفس لأول ما تدرك المعنى بمشاهدة أو وجدان، فالنفس تشعر حال تلقيها للصورة الخيالية أن للمعنى الذي تحمله تلك الصورة صورة أخرى، هي الصورة البسيطة التي يعبر عنها بالقول الصريح.