ولعلك تقول بعد هذا: إن صور المعاني تختلف ما اختلفت العبارات، سواء كانت تصريحية، أو تخييلية، فالصورة التي يعطيها قولك:"زيد يكتب " غير الصورة التي يفصح عنها قولك: "زيد يخط بالقلم على القرطاس "، وكل منهما صريح لا مدخل فيه للخيال، وإذا كان التخييل يلذ للنفس من جهة أنه يكسو المعنى لباساً جديداً، فيمكن لنا أن نصوغ للمعنى عبارة صريحة غير التي يعرفها المخاطب، فيأخذ بها صورة جديدة، ولا يفوز التخييل بهذه الفائدة ويختص بها دون التصريح.
والجواب: أن الصور التي تنشأ من العبارات الصريحة - وإن تفاوتت في مواقع البلاغة، واختلفت بالإيجاز والإطناب - لا تعد كما تعد الصورة الخيالية غريبة عن المعنى المراد، ألا ترى أنك تعرض المعنى الواحد في صور خيالية متعددة، والشعر واحد، فيجد السامع عند كل صورة داعية لذة، ولو ألقيت المعنى في عبارة صريحة، ثم بدا لك أن تخرجه في عبارة أخرى تشاكلها في الصراحة، والمخاطب واحد، لقيت في نفس المخاطب سآمة؛ لأنك لم توافها بصورة غريبة تخيل بها أنك تعبر عن معنى غير ما ألقيته عليها أولاً.
فلا أنكر أن الصور في العبارات الصريحة تتفاوت بحسب اختلاف العبارات في كيفية تأليفها، ومقدار ما تشتمل عليه من المعاني الزائدة عن أصل المراد، وأن هذا الاختلاف هو الذي يجعلها متفاضلة في مقامات البلاغة، وإنما أذهب إلى أن تلك الصور - وإن أحكمت نسقها، وأضفت إليها من المعاني ما يرتفع به شأنها - لا تهيج في نفس السامع هزة الطرب التي تثيرها العبارات الخيالية.
فالعبارات الخيالية تشارك العبارات الصريحة في جودة نسجها، واشتمالها