للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

على المعاني التي ترتقي بها في مدارج البلاغة، وتزيد عليها بإراءتك المعنى في صورة بديعة، تتعشقها النفس، وتهتز لوقعها طرباً.

ثم إن التخييل لا يخلو في أكثر أحواله من صوغ المعنى في صورة ما، تكون معرفة المخاطب له أقوى، وفهمه إليه أسرع، وهذا مما يجعل أنس النفس أوفر، وارتياحها له أكمل.

ولا أحسبك تقع من هذا الوجه في شبهة، أو تقف في حيرة، حين ترى الوجه السابق يقتضي أن لذة التخييل جاءت من غرابة الصورة، وهذا يقتضي أن انبساط النفس لها جاء من جهة إلفها، وكثرة التردد عليها؛ فإن غرابتها بالنظر إلى المعنى المراد لا تنافي أن تكون معرفتها بهيئاتها أو عناصرها أجلى لدى المخاطب في ذاتها، فالشاعر الذي يقول:

كأن شعاع الشمسِ في كلِّ غدوةٍ ... على ورقِ الأشجار أوَّلَ طالعِ

دنانيرُ في كفِّ الأشلِّ يضمُّها لقبضٍ ... فتهوي من فروجِ الأصابع

قد خيل إليك حال تدفق الأشعة وقت الغداة، وتجليها على الأوراق بصبغتها الصفراء في صورة دنانير يضم عليها الأشل يده ليقبض عليها، فتنساب من بين أصابعه متساقطة إلى الأرض، وهذه الصورة بالنظر إلى مساق الحديث - وهو حال الأشعة - غريبة، ولكنها في نفسها جلية؛ إذ السامع للبيتين - وإن لم يشاهد من قبلهما دنانير تتناثر من يد الأشل -، فإن المواد المؤلفة منها الصورة كالدنانير ويد المرتعش من أوضح معلوماته.

وللتخييل بعد هذا أغراض خاصة يرمي إليها الأدباء، ويتفاوتون في التمكن منها، ولا يسع هذا المقال سوى أن نلم بمهماتها، فنقول:

قد يقصد الشاعر من التخييل: