للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الأمانة في العلم (١)

فلاح الأمة في صلاح أعمالها، وصلاح أعمالها في صحة علومها، وصحة علومها أن يكون رجالها أمناء فيما يروون أو يصفون، فمن تحدث في العلم بغير أمانة، فقد مسّ العلم بقرحة، ووضع في سبيل فلاح الأمة حجر عثرة.

لا تخلو الطوائف المنتمية إلى العلوم من أشخاص لا يطلبون العلم ليتحلوا بأسنى فضيلة، أو لينفعوا الناس بما عرفوا من حكمة، وأمثال هؤلاء لا تجد الأمانة في نفوسهم مستقرًا، فلا يتحرجون أن يرووا ما لم يسمعوا، أو يصفوا ما لم يعلموا، وهذا ما كان يدعو جهابذة أهل العلم إلى نقد الرجال، وتمييز من يسرف في القول ممن يصوغه على قدر ما يعلم، حتى أصبح طلاب العلم على بصيرة من قيمة ما يقرؤونه، فلا تخفى عليهم منزلته، من القطْعِ بصدقه أو كذبه، أو رجحان أحدهما على الآخر، أو احتمالهما على سواء.

قيض الله للسنّة النبوية رجالاً أُشربوا في قلوبهم التقوى، فنهجوا في روايتها نهج أصحاب رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فلا يروون إلا ما وثقوا من صحته، وهم بعد هذا الاحتراس البالغ على فريقين:


(١) مجلة "نور الإسلام" - العدد الرابع من المجلد الثاني، الصادر في ربيع الثاني ١٣٥٠ هـ - القاهرة.