والإخلاص الذي يخالط النفوس حتى يكون القابض على عنانها هو في نفسه فضيلة؛ وهو لا ينزل إلا حيث تنزل فضائل كثيرة، فالإخلاص يمد جأش صاحبه بقوة، فلا يتباطأ أن ينهض للدفاع عن الحق، ولا يبالي ما يلاقي في دفاعه عنه من أذى.
والإخلاص يشرح صدر صاحبه للإنفاق في بعض وجوه البر، فتراه يؤثرها بجانب من ماله، وإن كان به خصاصة. الإخلاص يعلّم صاحبه الزهد في عَرَض الدنيا، فلا يخشى منه أن يناوئ الحق، أو يلبسه بشيء من الباطل، ولو أمطر عليه أشياع الباطل فضة أو ذهباً.
والإخلاص يحمل القاضي على تحقيق النظر في القضايا، فلا يفصل في قضية إلا بعد أن يتبين له الحق.
والإخلاص يوحي إلى الأستاذ أن يبذل جهده في إيضاح المسائل، وأن لا يبخل على الطلاب بما تسعه أفهامهم من المباحث المفيدة، وأن يسلك في التدريس الأساليب التي تجدد نشاطهم للتلقي عنه.
والإخلاص يصون التاجر عن أن يخون الذي يأتمنه في صنف البضاعة أو قيمتها؛ ويحمل الصانع على إتقان عمله حسب الطاقة.
والإخلاص يردع قلم الكاتب عن أن يقلب بعض الحقائق، أو يكسوها لوناً غير لونها؛ إرضاء لشخص أو طائفة.
وإذا كان للإخلاص هذه المآثر العظيمة، فحقيق علينا أن نربّي الناشئين على أن يكونوا مخلصين في كل ما يقولون أو يفعلون، ونلقِّنَهم ماذا يناله المخلص من حمد وكرامة وحسن عاقبة؛ لكي تُخرِّجَ لنا معاهدُ الدين والعلم رجالاً يقوم كل منهم بالعمل الذي يتولاه بحزم وإتقان.