قال المؤلف في (ص ٢٩): "وإذن، فنستطيع أن نقول: إن الصلة بين اللغة العربية الفصحى التي كانت تتكلم بها العدنانية، واللغة التي كانت تتكلمها القحطانية في اليمن إنما هي كالصلة بين اللغة العربية، وأي لغة أخرى من اللغات السامية المعروفة".
كنا وضعنا بين يديك أن الاختلاف بين العدنانية واللغة القحطانية لم يكن في العصر القريب من ظهور الإسلام بعيداً إلى الغاية التي يخيلها إليك المؤلف، وقلنا لك: إن هضم اللغة العدنانية للغة القحطانية بعد الإسلام بأمد غير بعيد، يدل على أن الفوارق بينهما أخذت تذوب منذ عهد الجاهلية، وهذا لا تعترضه الآثار المخطوطة باللغة المخالفة للعدنانية في نحوها وصرفها، ولو دلت بتاريخها على أنها رسمت قبل الإسلام بعهد قريب؛ إذ قصارى ما تدل عليه: أن لغة أهل المكان المنطوي عليه ذلك الأثر، أو اللهجة التي جرت عليها عادة الكتابة لم تتخلص من مميزاتها الشديدة، ولا يعترضه أيضاً قول أبي عمرو بن العلاء:"ما لسان حمير وأقاصي اليمن بلساننا، ولا عربيتهم بعربيتنا"؛ فإنه يصدق حيث يكون بين لغة حمير وأقاصي اليمن، وبين لغة عرب عدنان اختلاف في بعض المفرادت، وشيء يسير من القواعد النحوية، وهذا الاختلاف سمّاه ابن جني في كتاب "الخصائص"(١): بعداً، وأثبت -مع هذا البعد- أنها لغة عربية، فقال:"ويكفي من هذا ما تعلمه من بُعد لغة حمير من لغة بني نزار"، ثم قال:"غير أنها لغة عربية قديمة".