وعبارة المؤلف صريحة في أنه يثق بشعر الذين جادلوا النبي - صلى الله عليه وسلم -، فتتناول الصنفين الأولين فقط، ومقتضى هذا: أنه يعتمد في حياة الجاهلية شعر أبي عزة الجمحي، وعبد الله بن الزبعرى، ولا يعتمد فيها شعر حسان والأعشى، وهذا من تعسفاته التي لا يجد لها القارئ رائحة ولا طعمًا. ثم إن درسه الحياة الجاهلية في شعر الذين جاؤوا بعد النبي - صلى الله عليه وسلم - يقضي عليه بأن يدرسها في شعر المخضرمين؛ كحسان، ولبيد، والنابغة الجعدي، بالأحرى. ولعل كلمة:"وجادلوه" إنما زينتها له العاطفة، ودفعتها على حين غفلة من الفكر، فأخذت في الفقرة موقعاً لا يليق بها.
* الحياة الجاهلية في الشعر الأموي:
قال المؤلف في (ص ١٦): "وفي شعر هؤلاء الشعراء الذين جاؤوا بعده، ولم تكن نفوسهم قد طابت عن الآراء والحياة التي ألفها آباؤهم قبل ظهور الإسلام، بل أدرسها في الشعر الأموي نفسه، فلست أعرف أمة من الأمم القديمة استمسكت بمذهب المحافظة في الأدب، ولم تجدد فيه إلا بمقدار كالأمة العربية".
من الشعر ما يشتمل على وصف أمر، أو حكاية واقعة، ومنه ما يعبّر عن معان في نفس الشاعر؛ كالحب والبغض، والسرور والحزن، والرغبة في الشيء والنفور منه. وله بعد هذا المعنى الذي تدل عليه الألفاظ بحسب وضعها معنى آخر يذهب إليه الناظر من طريق الاعتبار؛ كطرز تفكير الشاعر، ومبلغ جودة قريحته وقوة خياله، وسموّ بلاغته وآداب خطابه.
وهذا القسم بسائر مدلولاته لا يستفاد من الشعر، إلا أن تكون نسبته لقائله صحيحة.