للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يفرضوا لها من أوقات الدراسة نصيباً كافياً، حتى تخرج لنا هذه المعاهد والمدارس خطباء يقودون الأمة إلى حيث تلقى السيادة والعظمة.

* إعطاء الحروف حقها:

ومما يقيم الخطبة ويكسوها رونقاً: أن يلفظ الخطيب بالحروف متمكنة من مخارجها، وقد كان العرب يحتفلون بهذا الوجه من الحسن، فيأسف الخطيب على سقوط شيء من أسنانه، وإنما يأسف لأن يفوته النطق ببعض الحروف على وجهها الصحيح. سقطت ثنايا عبد الملك بن مروان، فشدها بالذهب، وقال: لولا المنابر، ما باليت متى سقطت.

وكانوا يفضلون الخطيب الذي يمكّن الحروف من مخارجها على الخطيب الذي يضع الحرف بمخرج غير مكين. خطب الجمحيّ، وكان منزوع إحدى الثنيتين، فكان عندما ينطق يخالط نطقه شيء يشبه الصفير, وخطب عقِبَه زيد بن علي بن الحسين، فأجاد الخطيبان، إلا أن زيد بن علي فضل الجمحي بتمكين الحروف، وحسن مخارج الكلام، فقال عبد الله بن معاوية يذكر ذلك:

صحَّت مخارجه وتمّ حروفها ... فله بذاك مزية لا تنكر

ولهجنة الحروف غير المتمكنة ونبوها عن السمع كان بعض الخطباء الذين يبلون بنحو اللثغة يتجنبون في كلامهم الحرف الذي يتعذر عليهم أن يلفظوا به على وجه سليم، ومثل هذا: واصل الغزال؛ فقد كان ألثغ قبيح اللثغة في النطق بالراء، فكان يتحامى أن ينطق بكلمة تحتوي الراء على كثرة تردد الراء في الكلام، ولقوة عارضته وغزارة مادته من اللغة استطاع أن يلقي الخطب الطوال دون أن يأتي على لفظ يشتمل على هذا الحرف، وقد مدحه